العيد في عيون ال البيت عليهم السلام
مجزء
العيد في عيون ال البيت عليهم السلام
للدكتور علي احمد باقر
المقدمة
يعتبر شهر رمضان المبارك محطة روحانية
عظيمة، حيث يزكّي المسلم نفسه بالصيام والعبادة، ويتهيأ لاستقبال عيد الفطر الذي
يعد تتويجًا لهذه الرحلة الإيمانية. وفق مدرسة أهل البيت عليهم السلام، فإن الأيام
الأخيرة من رمضان وليلة العيد تحظى بمكانة خاصة، فهي أيام للعبادة والمغفرة
والتهيؤ للقاء الله بفرح الطاعة، لا مجرد فرح الاحتفال الدنيوي.
أولًا: فضائل الأيام الأخيرة من رمضان
في مدرسة أهل البيت
يؤكد أهل البيت عليهم السلام على أن
الأيام الأخيرة من شهر رمضان هي فرصة عظيمة للعتق من النار ومضاعفة الحسنات. وقد
ورد عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام):
"ما بقي من الدنيا إلا كغمضة عين،
فاتقوا الله واغتنموا لياليها وأيامها في الطاعة، فإنها مواسم الأرباح وأيام
المسابقة." (نهج البلاغة، الحكمة 374).
كما جاء في دعاء الإمام زين العابدين
(عليه السلام) في وداع شهر رمضان:
"اللهم إنك جعلته موسمًا لأهل
دينك، ومغنمًا لأوليائك، فاجعل لنا من مغفرتك أوفر نصيب، ومن رحمتك أعظم حظ."
(الصحيفة السجادية، دعاء وداع رمضان).
ثانيًا: استقبال عيد الفطر وفق تعاليم
أهل البيت
يؤكد أهل البيت عليهم السلام على أن
العيد الحقيقي هو عيد من قبل الله أعماله وطهر قلبه من الأدران، فقد ورد عن الإمام
علي (عليه السلام):
"إنما هو عيد لمن قُبل صيامه
وشُكر قيامه، وكل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد." (نهج البلاغة، الحكمة 428).
وفي هذا السياق، ينصح أهل البيت بأن
يكون استقبال العيد بروح التقوى والإحسان، وليس بالمظاهر الفارغة أو الغفلة عن
معاني العبادة.
1. التكبير ليلة العيد ويوم العيد
ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام):
"إذا غربت الشمس ليلة الفطر،
فارفع صوتك بالتكبير، فإنه شعار المؤمنين." (الكافي، ج4، ص168).
والتكبير من السنن التي تعمّق
الروحانية وتذكّر بنعم الله وفضله.
2. إخراج زكاة الفطرة
عن الإمام الصادق (عليه السلام):
"إن من تمام الصوم إعطاء الزكاة،
كما أن الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الصلاة تمامها، لأن من صام ولم
يخرج الزكاة فلا صوم له." (الكافي، ج4، ص172).
وهذا يدل على أن العيد مرتبط بالبعد
الاجتماعي للعبادة، فلا يكتمل الفرح إلا بإدخال السرور على الفقراء والمساكين.
3. الغسل ولبس أفضل الثياب
جاء عن الإمام الرضا (عليه السلام):
"إن غسل العيد طهور وجمال، فإن
استطعت أن تكون يوم فطرك في أنظف ثيابك فافعل." (من لا يحضره الفقيه، ج1،
ص520).
4. صلاة العيد وفضلها
عن الإمام الصادق (عليه السلام):
"صلاة العيد فريضة، وهي للمؤمنين
فرحة، فإذا خرجوا إلى المصلى كانوا في ضيافة الله." (الكافي، ج3، ص460).
5. زيارة القبور والدعاء للموتى
يحث أهل البيت عليهم السلام على زيارة
القبور صباح العيد، فقد ورد عن الإمام الحسن (عليه السلام):
"إن من البر في العيد ذكر من
فارقنا من الأحبة، فإنهم يرجون منا دعوة صالحة." (بحار الأنوار، ج98، ص297).
ثالثًا: فلسفة العيد وفق مدرسة أهل
البيت
يرى أهل البيت أن العيد ليس مجرد
احتفال، بل هو مناسبة لتجديد العهد مع الله والسير على نهجه. فيقول الإمام زين
العابدين (عليه السلام):
"اللهم اجعل يوم فطرنا هذا يوم
بركة، وعيدًا للمسلمين كافة، وتقبل منا صيامنا وقيامنا." (الصحيفة السجادية،
دعاء العيد).
ويؤكد الإمام علي (عليه السلام) أن فرح
العيد يجب أن يكون مرتبطًا بالآخرة وليس بالدنيا فقط، إذ يقول:
"لا يكن يوم فطرك يوم فطرك من
صيامك وحده، ولكن اجعل يوم فطرك فطرًا من الذنوب." (نهج البلاغة، الحكمة
428).
في مدرسة أهل البيت عليهم السلام،
العيد ليس مجرد فرحة دنيوية بل هو امتداد لشهر رمضان وفرصة روحية للتقرب إلى الله،
وهو مناسبة لتعزيز التكافل الاجتماعي من خلال الزكاة والإحسان إلى الفقراء، وفرصة
لمراجعة الذات وتجديد النية على الاستمرار في الطاعة. فمن عرف العيد على هذا
النحو، كان عيده عيدًا حقيقيًا تُقبل فيه أعماله، ويفرح فيه بفضل الله ورحمته.
تُعدّ السيدة فاطمة الزهراء (عليها
السلام) نموذجًا متكاملًا للمرأة المؤمنة، حيث جسّدت أسمى معاني العبادة، والزهد،
والصبر، والجهاد في سبيل الله. وكان لها دورٌ بارزٌ في مختلف المناسبات الإسلامية،
ومنها شهر رمضان المبارك وعيد الفطر. فقد كانت عبادتها في هذا الشهر مضرب المثل،
وكان فهمها العميق للعيد يتجاوز الفرح الدنيوي إلى الفرح بلقاء الله ونيل رضاه.
يهدف هذا البحث إلى استكشاف علاقة
السيدة الزهراء (عليها السلام) بشهر رمضان وأيام العيد، وفق روايات أهل البيت
(عليهم السلام)، من خلال تحليل عبادتها، ومواقفها الاجتماعية، وفلسفتها حول العيد.
الفصل الأول: السيدة فاطمة الزهراء
(عليها السلام) في شهر رمضان
1.1 عبادتها في رمضان
ورد في الروايات أن السيدة فاطمة
(عليها السلام) كانت تُكثر من العبادة والصلاة والقيام في شهر رمضان. فقد رُوي عن
الإمام الحسن (عليه السلام):
"رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها
ليلة جمعة، فلم تزل راكعة وساجدة حتى انفجر عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين
والمؤمنات وتُسميهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه، لِمَ لا تدعين
لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني، الجار ثم الدار." (الطبرسي، مكارم
الأخلاق، ص 265).
تُشير هذه الرواية إلى مدى ارتباط
السيدة الزهراء (عليها السلام) بالعبادة في رمضان، حيث لم تكن تعبّدها فرديًا، بل
كان امتدادًا لمسؤوليتها تجاه الأمة.
1.2 الصبر على الجوع والفقر في رمضان
كان بيت السيدة فاطمة (عليها السلام)
مثالًا للزهد والتقوى، فقد كانت تعيش حياة بسيطة تملؤها القناعة والصبر، حتى عندما
كانت تعاني من الجوع في رمضان.
وقد نزلت فيها آية الإيثار عندما تصدقت
وعليها (عليه السلام) والإمامان الحسن والحسين (عليهما السلام) بطعامهم على
المسكين واليتيم والأسير، كما ورد في قوله تعالى:
﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ
حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ۞ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ
اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾ (الإنسان: 8-9).
يؤكد هذا الموقف عمق ارتباط السيدة
فاطمة (عليها السلام) بمفاهيم الزهد والإحسان، والتي تبرز بشكل خاص في شهر رمضان.
1.3 ليلة القدر ودعاؤها
كانت السيدة فاطمة (عليها السلام)
شديدة الاهتمام بليلة القدر، حيث كانت تقضيها في العبادة والدعاء والتضرع إلى
الله. وقد نُقل عنها أنها قالت:
"سعيد من أدرك ليلة القدر، وغفر
الله له ذنوبه، وشقي من حرمها." (الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج2، ص 22).
وهذا يعكس فهمها العميق لقيمة هذه
الليلة المباركة، حيث كانت تشجع أهل بيتها على اغتنامها بالتقرب إلى الله.
الفصل الثاني: السيدة فاطمة الزهراء
(عليها السلام) وعيد الفطر
2.1 فلسفة العيد عند السيدة فاطمة
(عليها السلام)
كان للسيدة الزهراء (عليها السلام) فهم
خاص لمفهوم العيد، حيث لم تره يومًا للاحتفال الدنيوي فحسب، بل يومًا للعبادة وشكر
الله على توفيقه للصيام والقيام.
ويُنسب إليها أنها قالت في خطبتها بعد
وفاة النبي (صلى الله عليه وآله):
"إنما العيد لمن قُبل صيامه، وشكر
قيامه، وكل يوم لا يُعصى الله فيه فهو عيد." (المجلسي، بحار الأنوار، ج83، ص
325).
2.2 العيد بين الفرح الروحي والبعد
الاجتماعي
من خلال سيرتها، يظهر أنها كانت تولي
اهتمامًا خاصًا للفقراء والمحتاجين في يوم العيد. وقد روي أنها كانت تحثّ على
إخراج زكاة الفطرة، لأنها تُطهّر الصيام وتضمن الفرحة للجميع، لا للأغنياء فقط.
وقد ورد عن الإمام الحسن (عليه السلام)
أنه قال:
"رأيت أمي فاطمة (عليها السلام)
توزع الحلوى والطعام على الجيران والأيتام صباح العيد، فقلت لها: يا أماه، لمَ لا
تأكلين معنا؟ فقالت: ابني، فرحة الفقراء مقدمة على فرحنا." (الطوسي، تهذيب
الأحكام، ج4، ص 85).
وهذا يعكس أن العيد بالنسبة لها كان
مناسبة لنشر المحبة والإحسان، وليس مجرد مظهر احتفالي.
الفصل الثالث: دروس مستفادة من علاقة
السيدة فاطمة (عليها السلام) برمضان والعيد
3.1 دور المرأة في تعزيز القيم الروحية
في رمضان والعيد
تُظهر سيرة السيدة فاطمة (عليها
السلام) أن المرأة تستطيع أن تكون عنصرًا فاعلًا في تعزيز القيم الدينية
والاجتماعية، سواء في رمضان أو العيد. فعبادتها، زهدها، ودورها في الإحسان كلها
تشكّل نموذجًا يُحتذى.
3.2 الإيثار والتكافل الاجتماعي
أبرزت مواقفها (عليها السلام) قيمة
الإيثار، حيث كانت تعطي حتى وهي بحاجة، كما فعلت في قصة تصدّقها بالطعام في رمضان.
وهذا درسٌ هام في تطبيق قيم التكافل في المجتمع الإسلامي.
3.3 العيد كفرصة لتجديد العهد مع الله
من خلال نظرتها العميقة للعيد، يتضح
أنه ليس مجرد احتفال، بل محطة لمراجعة النفس، والحرص على أن يكون الفرح مصحوبًا
بالتقوى والعمل الصالح.
الخاتمة
السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)
لم تكن شخصية عادية، بل كانت مثالًا يُحتذى في العبادة، الإحسان، وفهم العيد كجزء
من مسيرة التقوى. فقد جعلت من شهر رمضان مدرسةً روحيةً تعلّم منها أجيال المسلمين
أهمية الصبر، العبادة، والإحسان.
أما العيد، فقد كان بالنسبة لها لحظةً
للفرح بالطاعة، لا مجرد احتفال دنيوي. واليوم، يمكننا أن نستقي من حياتها دروسًا
عميقة في كيفية تفعيل العبادة في حياتنا وتعزيز القيم الروحية والاجتماعية في شهر
رمضان والعيد.
المصادر والمراجع
الطبرسي، الفضل بن الحسن، مكارم
الأخلاق، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية.
الصدوق، محمد بن علي، عيون أخبار
الرضا، دار المعرفة، بيروت.
الطوسي، محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام،
دار الأضواء، بيروت.
المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار،
مؤسسة الوفاء، بيروت.
الشريف الرضي، نهج البلاغة، دار
المعرفة، بيروت.
الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، دار
الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الثالثة.
الطبرسي، الفضل بن الحسن، بحار
الأنوار، مؤسسة الوفاء، بيروت، الطبعة الثانية.
الشريف الرضي، نهج البلاغة، دار
المعرفة، بيروت.
الصدوق، محمد بن علي، من لا يحضره
الفقيه، دار الأضواء، بيروت.
الإمام زين العابدين، الصحيفة
السجادية، دار المحجة البيضاء، بيروت.
مصارف زكاة الفطرة عند الشيعة
زكاة الفطرة من الواجبات المالية في
الإسلام، وهي فريضة يجب إخراجها قبل صلاة عيد الفطر. في الفقه الشيعي، هناك تفصيل
دقيق لمصارف هذه الزكاة، وفقًا للأدلة الشرعية المستمدة من القرآن الكريم والسنة
النبوية وروايات أهل البيت (عليهم السلام).
1. المستحقون لزكاة الفطرة
تُصرف زكاة الفطرة وفقًا للفقه الشيعي
في ثمانية مصارف، كما هو الحال في زكاة المال، وهم المذكورون في الآية الكريمة:
﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ
وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي
الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً
مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾
(التوبة: 60)
إلا أن فقهاء الشيعة يركزون بشكل رئيسي
على الفقراء والمساكين في توزيع زكاة الفطرة، مع مراعاة بعض التفاصيل.
أ. الفقراء والمساكين
الفقير: هو من لا يمتلك قوت سنته أو لا
يكفيه دخله لسد حاجاته الضرورية.
المسكين: هو من حاله أسوأ من الفقير،
أي أشد حاجة.
يجوز إعطاؤها للفقراء والمساكين من
الشيعة، ولا تُعطى إلى من هو غير مؤمن بالمذهب الاثني عشري إلا في حالات استثنائية
تتعلق بالمؤلفة قلوبهم.
ب. الغارمون (المدينون)
يجوز إعطاء زكاة الفطرة لمن غرق في
الديون الشرعية المشروعة وليس لديه قدرة على سدادها.
ج. في سبيل الله
يشمل هذا المصرف دعم المشاريع
الإسلامية التي تعود بالنفع على المجتمع، مثل بناء المساجد، نشر الكتب الإسلامية،
ودعم طلبة العلوم الدينية.
د. ابن السبيل
وهو المسافر المحتاج الذي انقطعت به
السبل ولم يعد لديه مال ليعود إلى بلده، فيمكن إعطاؤه من زكاة الفطرة إن لم يكن
سفره في معصية.
2. شروط صرف زكاة الفطرة
يجب أن يكون المستلم مؤمنًا شيعيًا
اثني عشريًا، إلا إذا لم يوجد مستحق من الشيعة، فيمكن إعطاؤها لغير الشيعة من
المسلمين.
لا يجوز إعطاؤها إلى الهاشمي (من ذرية
بني هاشم) إذا كان المتصدق غير هاشمي، ولكن يجوز للهاشمي إعطاؤها لهاشمي آخر.
يُفضل إعطاؤها للأقرباء المحتاجين قبل
غيرهم، ما لم يكن هناك مانع شرعي.
ينبغي إخراجها في البلد الذي يعيش فيه
الشخص، إلا إذا لم يكن هناك مستحق، فيمكن إرسالها إلى بلد آخر.
3. وقت دفع زكاة الفطرة
تجب زكاة الفطرة عند دخول ليلة العيد،
ويجب إخراجها قبل أداء صلاة العيد.
إذا لم تُدفع في وقتها، فإنها تبقى
دينًا في الذمة ويجب إخراجها في أقرب وقت ممكن.
4. مقدار زكاة الفطرة
المقدار الواجب إخراجه هو صاع (3
كيلوغرام تقريبًا) من الطعام عن كل فرد، أو ما يعادله نقدًا.